في ظل الضغوط المتصاعدة على مهامهم الوظيفية
شهد عام 2024 ثاني أعلى معدل دوران للمديرين الماليين عالمياً بسبب عدة عوامل، أهمها زيادة نشاط المستثمرين، والاضطرابات في سلسلة التوريد، وارتفاع معدلات التضخم، وتغيير اللوائح التنظيمية. وعلى أثر ذلك، غادر العديد من المديرين الماليين في شركات مدرجة مناصبهم خلال العام، سواء للاستثمار بمجال الأسهم الخاصة، أو للانضمام إلى مجالس الإدارة، أو للتقاعد.
وقد أظهر تقرير لشركة “راسل رينولدز أسوشيتس” حول معدل دوران المديرين الماليين عالمياً، تخلّي 15.1 % من المديرين الماليين في أكبر الشركات المدرجة في العالم عن مناصبهم في عام 2024، بانخفاض طفيف عن نسبتهم في عام 2023 والتي بلغت 16.2%. في حين، سجل مؤشرا “ستاندرد آند بورز 500″ و”إف تي إس إي 250” أعلى معدل دوران للمديرين الماليين خلال السنوات الست السابقة، وقد طابقت نسب التغير في المؤشر الأول النسبة القياسية المسجلة في عام 2021.
كما يرصد تقرير “معدل دوران المديرين الماليين” حركة تعيينات ومغادرات المديرين الماليين من 12 مؤشراً مالياً عالمياً، ويتتبع تقريراً آخر لشركة “راسل رينولدز أسوشيتس” حول معدل دوران الرؤساء التنفيذيين عالمياً لعام 2024، والذي أظهر تسجيل أعلى معدل دوران عالميّ للرؤساء التنفيذيين على الإطلاق خلال 2024. من جانب آخر، تعكس الأرقام المسجلة أهمية الشراكة بين الرئيس التنفيذي والمدير المالي في ظل سعي الشركات المدرجة لتحقيق تحولات مهمة تحت رقابة مكثفة من المساهمين.
التغيّر المستمر في المهام يفاقم الضغوط على المدير المالي
تجاوزت مسؤوليات المدير المالي اليوم دور المحاسبة التقليدي، حيث أصبحت التطورات التكنولوجية، والاضطرابات الجيوسياسية، والتحديات التنظيمية ضمن نطاق مسؤولياته، فضلاً عن ضرورة اضطلاعه بدور الوسيط وصلة الوصل بين مجالس الإدارة والمستثمرين.
بدورها، تدفع هذه الضغوطات عدداً كبيراً من المديرين الماليين إلى التساؤل عمَا إذا كان المنصب لا يزال يستحق العناء. وفي عام 2024، أكثر من نصف المديرين الماليين (54%) المغادرين لمنصبهم إمّا تقاعدوا أو انضموا إلى مجالس الإدارة، وهو أعلى معدل منذ ست سنوات. وتبلغ متوسط فترة بقاء المدير المالي في منصبه 5.8 سنوات حالياً، بينما يبلغ متوسط عمر التقاعد أو الانتقال إلى منصب في مجلس الإدارة للمديرين الماليين 56.6 عاماً فقط، وهو أصغر عمر تم تسجيله منذ ست سنوات.
من جانب آخر، تتعامل مجالس الإدارة مع منصب المدير المالي باعتباره المرشح الأقرب لتولي منصب الرئيس التنفيذي، فمن بين المديرين الماليين المغادرين في عام 2024، انتقل 34% منهم إلى منصب رئيس الشركة أو الرئيس التنفيذي، بينما تولى15% منهم منصب رئيس تنفيذي لقسم داخلي، وانتقل 15% آخرون إلى مناصب تنفيذية عليا أخرى.
وقالت جينا فيشر، الرئيس المشارك لممارسات المسؤولين الماليين دولياً لدى شركة “راسل رينولدز أسوشيتس”: “تشهد مهام منصب المدير المالي حالياً- سواء في مجال العقارات أو المرافق أو تكنولوجيا المعلومات أو الشؤون القانونية- تحولات ملحوظة تجعل هذا المنصب أكثر تعقيداً، حيث أصبح هو المدير الفعلي للعمليات وعليه رفع تقاريره بشكل مباشر إلى مجلس الإدارة أو الرئيس التنفيذي. وغالباً ما تميل مجالس الإدارة إلى توكيل منصب المدير المالي لشخص مؤهل قادر على شغل منصب الرئيس التنفيذي مستقبلاً. وفي المقابل، نجد إقبالاً أكبر من المديرين الماليين على تولي منصب الرئيس التنفيذي”.
وثمة تناقص ملحوظ في مدة بقاء المدير المالي بمنصبه، وهو ما ينعكس في تقلّص عدد المرشحين الأكفاء لشغل هذا المنصب. يدفع ذلك مجالس الإدارة إلى دراسة خطط التعاقب الوظيفي بدقة وتمعّن بشكل مبكر، مع التركيز على الاستعانة بكفاءات من داخل الشركة لشغل هذا المنصب. ففي عام 2024، كان 54% من المديرين الماليين المعينين على مستوى العالم موظفين من داخل الشركة. وعادةً ما تكون مدة ولاية المديرين الماليين المعينين من داخل الشركة أطول بمعدل 6.5 سنوات وسطياً، قياساً بـ 5.9 سنوات للمعينين من خارج الشركة. ويعكس هذا الجانب أهمية تخطيط التعاقب الوظيفي الداخلي.
وتكشف الرؤى السائدة في منطقة الشرق الأوسط أن الشركات تغدو أكثر تكاملاً على المستوى العالمي، وتنخرط بشكل متزايد في عمليات الدمج والاستحواذ. وهذا ما يعزز الحاجة إلى مديرين ماليين أكفاء يتمتعون بالخبرة في مجالات أسواق رأس المال والديون والأسهم.
وقال بوراك جوربون، رئيس قسم الخدمات المالية وممارسات المسؤولين الماليين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا، شركة “راسل رينولدز أسوشيتس – الشرق الأوسط”: “تزداد أهمية الخبرة في السوق المحلية بالنسبة للمديرين الماليين العاملين في الشرق الأوسط، حيث تُعطي الشركات الأولوية للمرشحين الذين يفهمون الإطار القانوني الإقليمي والمشهد التنظيمي وديناميكيات السوق الفريدة. إن الاستثمار في المواهب المالية المحلية أمر ضروري لتحقيق النجاح الإقليمي مستقبلاً.”
مستوى قياسي لعدد النساء المعينات في منصب المدير المالي
من بين 275 مديراً مالياً تم تعيينهم في عام 2024، كان 70 مديراً منهم نساءً، وهو أعلى رقم خلال السنوات الست الماضية، وقد تم تعيين 54% منهن من داخل الشركة. ويعكس ذلك أهمية اعتماد الشركات لنهج تخطيط التعاقب الوظيفي وإعداد الكفاءات للمناصب القيادية من أجل استقطاب المواهب إليها.
وعلى مستوى القطاعات، سجل قطاعا التكنولوجيا والخدمات المالية قفزة نوعية فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين، حيث وصلت نسبة النساء المعينات في منصب المدير المالي في القطاعين خلال عام 2024 إلى 36% و39% على التوالي- أي ضعف ما كانت عليه في عام 2023.