يشير تقرير شركة بوسطن كونسلتينغ جروب الأخير بعنوان «من التجارب إلى التقدم: الذكاء الاصطناعي في بيئة العمل بدول مجلس التعاون الخليجي» إلى أن مستويات التفاؤل والثقة تجاه تقنيات الذكاء الاصطناعي في دول المجلس تفوق المتوسطات العالمية بشكل ملحوظ، مع اتساع نطاق تبني هذه التقنيات في المنطقة. أوضح الاستطلاع أن المنطقة جاءت في المرتبة الثانية عالمياً في تبني الذكاء الاصطناعي خلال عام 2025، ويُعزى ذلك إلى القيادة الرشيدة وجهود التحول الرقمي الفعّالة التي أسهمت في تسريع تطبيق التقنيات الذكية في مختلف القطاعات.
أظهر الاستطلاع أن 58٪ من المشاركين من دول مجلس التعاون الخليجي أعربوا عن تفاؤلهم تجاه مستقبل الذكاء الاصطناعي (بزيادة قدرها 9 نقاط مئوية مقارنة بعام 2024)، فيما عبّر 45٪ عن ثقتهم بقدراتهم على توظيف هذه التقنيات بفعالية. وتأتي هذه النتائج أعلى من المتوسطات العالمية، مما يعكس الانفتاح الإقليمي المتزايد على تبني حلول الذكاء الاصطناعي وتكاملها ضمن استراتيجيات التحول الرقمي.
وشارك في الدراسة، التي أُعدَّت بالتعاون مع وحدة بناء وتصميم التقنيات بشركة بوسطن كونسلتينغ جروب “BCG X”، أفراد من الكويت وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة شملوا القيادات التنفيذية والكوادر الميدانية. وتبرز نتائج الدراسة التطور المتسارع في تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي على مستوى المنطقة، انسجاماً مع الاستراتيجيات الوطنية التي تركز على التحول الرقمي والتنوع الاقتصادي.
قال د/ لارس ليتغ، المدير المفوض والشريك في شركة بوسطن كونسلتينغ جروب، “تشهد دول مجلس التعاون الخليجي تقدماً لافتاً يضعها في طليعة دول العالم في تطبيق الذكاء الاصطناعي، مدعومة بمستويات تبنٍ عالية على مستوى الكوادر الميدانية ودعم القيادات تفوق المتوسط العالمي بأكثر من الضعف. وبالنسبة للشركات وهيئات القطاع الحكومي على حدٍ سواء، يُعد ذلك دليلًا واضحًا على أهمية الاستثمار الاستراتيجي في الذكاء الاصطناعي مقرونًا بالقيادة الفاعلة وبرامج بناء القدرات كمنهج شامل لتحقيق التحول المؤسسي على نطاق واسع.”
بيّنت نتائج الدراسة أن دول مجلس التعاون الخليجي تسجل مستويات متقدمة في الاستخدام المنتظم لتقنيات الذكاء الاصطناعي، إذ أشار 78٪ من الكوادر الميدانية إلى استخدامهم المتكرر لتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بزيادة قدرها 27 نقطة مئوية عن المتوسط العالمي. وفي المستويات الإدارية، ارتفعت نسب الاستخدام إلى 90٪ بين المديرين و92٪ بين القيادات العليا، مقارنة بمتوسطات عالمية تبلغ 78٪ و88٪ على التوالي. ويؤكد هذا الانتشار الواسع التزام المنطقة الراسخ بدمج تقنيات الذكاء الاصطناعي ضمن منظومات العمل اليومي.
أظهرت نتائج الدراسة أن 45٪ من المشاركين في دول مجلس التعاون الخليجي يعتبرون برامج التدريب على الذكاء الاصطناعي التي تلقوها مُرضية (مقارنة بـ36٪ عالميًا). وأوضح 54٪ من الكوادر الميدانية أنهم يتلقون إرشادات واضحة من القيادات بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي (مقارنة بـ25٪ فقط عالمياً). بَيدَ أن هذا المستوى من التفاعل يرتبط كذلك بزيادة احتمالية ظهور ما يُعرف بـ«الذكاء الاصطناعي الموازي»، حيث أبدى 63٪ من المشاركين استعدادهم لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي حتى دون موافقة الشركة، مقارنةً بـ54٪ عالمياً.
أظهرت نتائج الدراسة أن الذكاء الاصطناعي يسهم في تحقيق مكاسب كبيرة من حيث الإنتاجية، حيث أشار 53٪ من المشاركين إلى أنهم يوفرون أكثر من ساعة يومياً بفضل تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ويتم توجيه هذا الوقت نحو أنشطة مختلفة. وذكر 58٪ أنهم يستغلون الوقت لإنجاز مهام إضافية، و38٪ يشاركون في مبادرات استراتيجية، و58٪ ينهون العمل بشكل أسرع وبجودة أعلى، و38٪ يطورون مهاراتهم المهنية. وأشار 43٪ إلى أنهم يستخدمون الوقت لتجربة أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، و43٪ يتواصلون مع الزملاء، و33٪ يقومون بأنشطة شخصية. لكن اللافت أن نصف المشاركين فقط يتلقون إرشادات واضحة حول كيفية توظيف هذا الوقت الإضافي بالشكل الأمثل، ما قد يحد من الأثر الكامل الذي يمكن أن تحققه هذه المكاسب على مستوى المؤسسة.
يتمثل التحول الجوهري المقبل في تطورين رئيسيين: الأول هو ظهور أنظمة «الذكاء الاصطناعي الوكيلة» التي يمكنها العمل بشكل مستقل لإدارة مسارات عمل معقدة واتخاذ القرارات بنفسها، أما الآخر فهو بروز فرص جديدة لتصميم حلول أعمال مبتكرة كليًا تعتمد على الذكاء الاصطناعي ولا تقتصر على تعزيز الكفاءة التشغيلية فحسب بل تمتد إلى ابتكار سمات فريدة ونماذج إيرادات جديدة تعيد تعريف مستقبل الأعمال.
قال رامي مرتضى، الشريك والمدير في شركة بوسطن كونسلتينغ جروب: “لا ريب أن الذكاء الاصطناعي قد أصبح اليوم محركاً محورياً لتحسين الأداء المؤسسي. ومع مرور الوقت سيزداد اندماجه في بيئات العمل ليُحدث تحولاً في كيفية تصميم العمليات وتعزيز التعاون بين فرق العمل. وفي دول مجلس التعاون الخليجي، يوفر أكثر من نصف الموظفين أكثر من ساعة يومياً بفضل استخدام الذكاء الاصطناعي، ويستثمرون هذا الوقت في المبادرات الاستراتيجية والابتكار وتحسين بيئة العمل. وهذا يؤكد أهمية التوسع في تبني الذكاء الاصطناعي في المؤسسات، ليس كأداة لتعزيز الكفاءة التشغيلية فسحب بل كوسيلة لتمكين النمو المستدام وتطوير رأس المال البشري.”
وبينما تواصل دول مجلس التعاون الخليجي احتلال الصدارة في تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي ومستويات الثقة المرتبطة بها، تسلط دراسة شركة بوسطن كونسلتينغ جروب الضوء على دور القيادة الفاعلة والتدريب المنظم ورفع الوعي التقني في تعزيز الإنتاجية ودعم الابتكار، مع التحذير في المقابل من المخاطر المرتبطة باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي غير المصرح بها داخل المؤسسات. وتوفر الدراسة مرجعاً مهماً لصناع السياسات وقادة القطاعين الحكومي والخاص لتطوير استراتيجيات ذكاء اصطناعي مسؤولة تستند إلى أفضل الممارسات العالمية وتُعزز جاهزية المنطقة للمستقبل.


